Saturday, October 10, 2009

أدب المقاومة في ضوء قضية فلسطين

الحافظ عبدالماجد

تاريخ فلسطين

إنَّ الحديثَ عن فلسطين تأريخاً، وجغرافيةً وحدوداً، ومناخاً، وسكاناً ... الخ، لا يحتاج إلى كبير عناء؛ حيث كفانا فيه المؤرخون، والكتابُ الإسلاميون، ولا أبالغ حين أقول : إن الحديث عن فلسطين، ومسجدها الأقصى، وقضيتها مع الانتداب البريطاني والاحتلال اليهودي قد أخذ حجماً كبيراً؛ حتى لو أن أحداً أراد أن يجمع ما كُتبَ عن فلسطين لخرج بعشرات المجلدات؛ وهو بعدُ لمَّا ينتهي، وهذا منهم لا عبثاً أو فضولاً – وحاشاهم من ذلك –؛ لكنَّ قضيةَ فلسطين لم تكن عندهم كغيرها من بلاد المسلمين، فهي أُولى القبلتين، ومسرى إمام الأنبياء والمرسلين ...؛ لأجل هذا كانت محطَّ أنظارهم، ومحلَّ أفكارهم، ومادةَ تأليفهم، وموطنَ عبراتهم، وليلَ آهاتهم ... ومنه كانت جديرةً بذلك وفوق ذلك، ولا شك .

لذا رأيت من المناسب أن أقتصر على ذكر المهم من تعريف فلسطين قطُّ، كما أنَّ الحديثَ عنها ليس موضوعَ رسالتي.




فلسطين :


أولُ بلدٍ عربي فتحه المسلمون في عهد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ سنة (15هـ)، ونشروا فيه الإسلام . وفي فلسطين وُلدَ وبُعثَ كثيرٌ من الرُّسل عليهم السلام –، الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم، فهي أُولى القبلتين ومسرى خاتم النبيين؛ فمنذ أربعة عشر قرناً ظلت فلسطين بلداً إسلامياً عربياً لها مكانةٌ خاصةٌ في قلوبِ المسلمين في مشارقِ الأرض ومغاربها (1)


.

تاريخ الاحتلال اليهودي لفلسطين:


لم يَعُدْ الاحتلال اليهودي يخفي على ذي عين، ابتداءً بالتهجير اليهودي، وانتهاءً بالاحتلال الغاشم !، إلاَّ أنَّنا آثرنا الحديثَ عن ذلك باختصارٍ، وذكرِ نبذةٍ تأريخيةٍ موجزةٍ إتماماً للفائدةِ، وربطاً لمضمونِ الرسالة.


التمهيد لإنشاء موطنٍ لليهود:


مع نهايات القرن الثالث عشر هجري، بدأت الحركة الصِّهْيَونية في أوروبة تدعو إلى ضرورة إيجاد مجتمع يهودي يحكم نفسه، واختارت الحركة الصهيونية أن يكون ذلك المكان هو فلسطين !، ونادت بحلِّ المشكلة اليهودية عن طريق دفع يهود أوروبة الشرقية للهجرة إلى فلسطين .


وفي الوقت الذي أخذ فيه عددُ يهود فلسطين يتناقص خلال فترة الحرب العالمية الأولى ( 1332-1336هـ )، تَبنَّت بريطانية دعمَ المشروع الصِّهْيَوني مقابل تمويل اليهود لها حتى تَصمُدَ في الحرب . وقد أصدر وزير الخارجية البريطاني " بلفور " وعده في عام ( 1335هـ ) بتحقيق وطنٍ قوميٍّ لليهود في فلسطين . ووافق مجلسُ الحلفاء في عام ( 1338هـ ) على وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، واعترفت عُصبةُ الأمم بذلك وصدقت على وعد ( بلفور ) . وقد مكَّن ذلك بريطانية من استغلال سيادة وجودها لتنفيذ وعدَها بتهويد فلسطين، فعيَّنت في منصب المندوب البريطاني في فلسطين أحد القادة اليهود وهو " هربرت صموئيل" وقد اضطلع "صموئيل" بمهمة إعطاء الصيغة الرسمية للوكالة اليهودية، وأشركها في صياغة القوانين واللوائح والأنظمة الأولى التي يسَّرت الهجرة اليهودية، ومكَّنت اليهود من تملك الأراضي، ومنحتهم امتيازات اقتصادية جعلتهم يسيطرون بالتدريج على اقتصاد البلاد، ويُعرِّضون اقتصاد العرب للخطر حتى يزعزعوا تمسكهم بالأرض تمهيداً للاستيلاء عليها . ومكَّن المندوب البريطاني – أيضاً – الوكالة اليهودية من الاشتراك في إدارة البلاد، والقيام بتنظيم اليهود، وتسليحهم، وتدريبهم، وتشكيل العصابات .


وفي عام ( 1366هـ )، رفعت بريطانية المشكلة التي صنعتها بيدها إلى الأمم المتحدة، وذلك على أساس أن حكومة الانتداب عجزت عن حلِّ مشكلة الشعبين (الأول الذي انتدبتها عصبة الأمم لحكمه، والثاني الذي أوجدته بعد انتدابها )، وأعلنت بريطانية أنها ستتخلَّى عن انتدابها لفلسطين في غضون ستة أشهر .


إنشاءُ موطنِ يهود :


صدر قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة في ( 1366هـ ) بتقسيم فلسطين إلى دولتين ( عربية ويهودية ) ووضع بيت المقدس وما حولها تحت الإدارة الدولية .

وقد أدَّى ذلك إلى تفجُّر الاضطرابات بين المواطنين العرب العُزَّل من السلاح، وغير المدرَّبين عسكرياً من ناحية، وبين العصابات الصِّهْيَونية المدربة، والمسلحة وذات الموارد، والدَّعم الداخلي والخارجي من ناحية أُخرى . وانتهت الحرب غير المتكافئة بقتل أو تهجير العرب، واستيلاء العصابات الصِّهيَونية على الأراضي العربية .


وفي ( 7/7/1367هـ ) انسحبت بريطانية رسمياً من فلسطين، وأعلن اليهودُ حُكمَهم للبلاد التي استولوا عليها بالقوة . وقد ساعدهم البريطانيون في الاستيلاء على الدوائر الحكومية، ومعسكرات الجيش، ومستودعات الأسلحة بما في ذلك الطائرات، والدبابات، وخطوط السكك الحديدية بقطاراتها ومعداتها، وكذلك المطار الدولي، والميناء الرئيسي . وأعلنت دُول العالم تباعاً اعترافها بالسلطة الوليدة فور إعلانها بدقائق، وقد كانت الدول الكبرى في مقدمة الدول المعترفة !


وفي الجانب الآخر أعلن الفلسطينيون استنكارَهم لقرار التقسيم الجائر، وقاوَموا العصابات اليهودية بكلِّ طاقتهم، واستطاعوا أن يُحقِّقوا انتصارات عديدة في إيقاف زحف العصابات المدجَّجة بالسلاح؛ غير أنَّ قوات الجامعة العربية التي هبَّت لمساعدتهم بعد (7 رجب ) اشترطت تجريدَ المناضلين العرب !، وإبعادهم عن كافَّةِ الجبهات حتى تتمكَّن القواتُ النظاميةُ من خوضِ المعارك ! .


لكنَّ هذه القوات النظامية هُزمت على جميع الجبهات، وتراجعت عن الأراضي التي استطاع المناضلون الدفاع عنها، واضطرَّت الدولُ التي مثَّلتها هذه القوات إلى عقد معاهدات هدنة مع اليهود عرفت بمعاهدات وقف إطلاق النار لعام ( 1368هـ ) .


كما سيطر اليهود نتيجة أحداث ( 1367-1368هـ ) على ( 3,175كم2 )، من أملاك اللاجئين العرب، ولكي تُضفي الدولة الجديدة المزيفة على هذا الاستيلاء، سنَّت قانون أملاك الغائبين، وقانون نقل الأموال إلى سلطة التعمير والإنشاء لعام (1369هـ ) .


وفي عام ( 1387هـ )، استولت يهود على باقي فلسطين، وطبَّقت نفسَ القوانين والإجراءات، والأساليب على أراضي الضِّفةِ الغربية، وقطاع غَزَّة؛ بل ابتدعت قوانين أخرى تُمكِّنها من سرعة تجريد العرب من أراضيهم تحت مسمى "الأساليب الأمنية ".

ووضعت السلطات اليهودية يدها على ( 33%) من مساحة الضفة والقطاع حتى عام ( 1409هـ )، وأغلقت نحو ( 17%) من المساحة لأسباب أمنية ! .


وقد اعتمدت الحركة الصِّهْيَونية سياسة بناء المستوطنات في الأراضي التي يتَمُّ الاستيلاء عليها لإيجاد مأوى، وعمل للمهاجرين اليهود ! .



تَنْبِيه :


وحتى يتمكَّن اليهود من تنفيذ مخططات تهويد فلسطين، حافظوا على حالة العداء مع الدول العربية المحيطة، مستغلين غَضبة المسلمين في فلسطين، وقيام أفراد منهم ببعض أعمال المقاومة، أو إدْلاء بعضهم بتصريحات تَنُمُّ عن الإحباط واليأس، أو دعوة بعضهم لتشكيل المنظمات الفدائية، ثم تشكيل منظمة التحرير، ذريعةً لتنفيذ سياسة الاعتداء على الأراضي العربية في جميع جبهات خطوط الهدنة، أو شَنّ حروب شاملة دورية كلّ عشر سنوات تقريباً؛ إذْ حدثت الحروب في أعوام ( 1376ـ 1378هـ، 1375، 1387، 1393، 1402هـ )، وقد كان اليهود يحققون أهدافهم التوسعية في كلِّ من هذه الحروب، وفي كلِّ حرب كان اليهود يؤكدون على تشبُّثهم بالأراضي المحتلة في الحروب السابقة، وذلك بسبب توقف العرب عن المطالبة بتلك الأراضي، والتفرغ للمطالبة بالأراضي المحتلة في الحروب اللاحقة . ومن هنا، فإنَّ الدولة اليهودية التي نشأت بقرار من الأمم المتحدة، هي الوحيدة في العالم التي دأبت وبإصرار على التَّملصِ من قرارات مجلس الأمن، والمنظمات الدولية، مستندةً في ذلك على التأييد، والدعم من قبل الولايات المتحدة، وسائر الدول الغربية لمشاريعها العدوانية ! .


ومنذ أن قاد حزب العمال ( ماباي ) حكومة اليهود من تأريخ تأسيسها حتى عام (1397هـ )، وهو يسعى حثيثاً في إقامة دولة يهود في المنطقة بكلِّ أنواع الطرق الوحشية، والعدوانية، وهكذا، حتى أسفرت الانتخابات البرلمانية التي حولت القيادة اليهودية إلى تجمع ( اللِّيكود ) بزعامة " بيجين "، وهو إرهابي مُسَجَّلٌ في قائمة الإرهابيين المطلوبين لحكومة الانتداب، وكان يترأس إحدى العصابات الإرهابية في فلسطين قبل قرار التقسيم . وفي عهده أجرى الرئيس المصري : محمد أنور السادات مباحثات معه بحضور الرئيس الأمريكي " كارتر " في ( كامب ديفيد )، وذلك في أعقاب الزيارة المفاجئة التي قام بها السادات لبيت المقدس، لبحث قضيتي : المسألة الفلسطينية، والجلاء عن سيناء . وقد أسفرت المباحثات التي أُجريت في ( 1399هـ) عن فشلها في حلِّ المسألة الأولى، وعن عقد معاهدة سلام دائم بين الطرفين المصري واليهودي في ظل وجود قوات دولية ! .


لم تتوقف دولة الاحتلال، منذ وُجدت على الأراضي الفلسطينية عن مهاجمة حدود الدول العربية المحيطة بها، وذلك بحجة إبعاد الفدائيين الفلسطينيين . وفي ( شعبان 1402هـ ) اجتاحت قواتُها الجنوب اللبناني بحجة الانتقام من المقاومة الفلسطينية، والرد على هجماتها على شمالي فلسطين المحتلة . ولم تتوقف اليهود عن ضرب لبنان إلاَّ بعد تجريد الفلسطينيين من أسلحتهم، وطردهم من كلِّ لبنان . ومع ذلك سحب اليهود قواتَهم من أواسط لبنان فقط، واحتفظوا بشريط أمني على طول الحدود الجنوبية والشرقية للبنان؛ إلاَّ أنهم انسحبوا منه أخيراً تحت ضربات المقاومين اللُّبنانيين، في حين بقت في حوزتهم مزارع شُبْعا ! .


وفي ( محرم 1404هـ )، تخلَّى "بيجين" عن رئاسة الوزراء لـ "إسحاق شامير" الذي ترأس بعده كتلة ( اللِّيكود ) ! .


ومن المعروف أنَّ "شامير" إرهابيٌ آخر كان مطلوباً من قِبَلِ الحكومة البريطانية لقيامه بأعمال إرهابية، وقد كان زعيماً لإحدى المنظمات الإرهابية، وفي الفترة ( 5 ـ 1409هـ ) شارك حزبُ العملِ وكتلةُ ( اللِّيكود ) في الحكم معاً بسبب عدم استطاعة أيٍّ من الكُتلتين السيطرة على أغلبية أصوات مجلس النواب، وبقصد التعاون للتغلب على التضخم الذي ارتفع بنسبة ( 400% ) عام ( 1405هـ ) .


وحينما وصل المسلمون في فلسطين تحت هذا الاحتلال درجةً بالغةً من الإحباط واليأس من جرَّاء الإرهاب الفردي والدولي المنظم، والمدعوم من الدول الكبرى المسيطرة على الأمم المتحدة ومجلس الأمن طوال نصف قرن، ومن جرَّاء الاضطهاد والتآمر من الداخل والخارج؛ اندلعت انتفاضة جهادية عارمة بدأت في (16/4/1408هـ ) حيث جابه الشبابُ والأطفال فيها العدوَّ اليهودي المدجَّج بأحدث الأسلحة وهم مجرَّدين من أيِّ سلاحٍ إلاَّ إيمانهم بالله؛ غير عابئين بالنتائج التي يمكن أن تُسفرَ عنها هذه المجابهةُ الحتميةُ، وهي القتلُ، والتمثيلُ، والإصاباتُ، والاعتقالاتُ، والتعذيبُ، وهدمُ البيوتِ، وقطعُ الأرزاقِ، والطردُ من البلاد ... ومن هنا أُطلق على عناصر هذه الانتفاضة الجهادية مصطلح : أطفال الحجارة !.


وبينما الأحداث تتكَّشف يوماً بعد يومٍ؛ إذْ كشف النِّقابُ عن إجراء مفاوضاتٍ سريَّةٍ بين وفدٍ يهودي، وآخر من منظمةِ التحرير الفلسطينية بوساطة الحكومةِ النَّرويجيَّة، وقد أسفرت هذه المفاوضات عن إعلان اعترافٍ متبادلٍ بين المنظمة والدولة اليهودية في يومي ( 23-24/3/1414هـ )، وتَمَّ التوقيع على اتفاقيةِ الحُكم الذَّاتي المحدود على قِطاعِ غزَّةَ، وأريحا بوصفها خطوة أُولى، وذلك في احتفالٍ كبيرٍ في حديقة البيت الأبيض – بيت العنكبوت الأسود – بواشنطن بتأريخ ( 27/3/1414هـ ) وذلك بحضور وَزِيرَي خارجيةِ كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية وروسية الاتحادية، وفي الرابع من (ذي القعدة 1414هـ ) في القاهرة وَقَّع الرئيسُ الفلسطيني : ياسر عرفات، وإسحاق رابين رئيس وزراء الحكومة اليهودية اتفاقية قيام الحُكم الذَّاتي في غزة وأريحا، وفي ( محرم 1415هـ ) وصل ياسرُ عرفات إلى غزَّةَ لِيُديرَ سلطةَ الحكم الذاتي الفلسطيني((1)) !!.


وهكذا أدار القائد البائد عرفات سلطته الوهمية؛ بكلِّ حماقةٍ وسفاهةٍ !، وبينما هو يزهو على حماره، ويلوح بيديه لصبيانِه !، إذ بأسياده يدورون على سلطتِه بالقذائف المروحية التي لا تُبقي، ولا تَذر !، وذلك في ( رجب – 1421هـ ) من هذه السنة .(2)



المقاومة (مفهومها اللغوي وتاريخها)


المقاومة بمفهومها اللغوي تعني محاولة المعتدى عليه رد العدوان عن نفسه، ويتسع المفهوم عندما تحدده ضوابطه الأخلاقية والإنسانية والمكانية والزمانية. ومن هنا يكون الحديث عن أدب المقاومة وليكن في تاريخنا العربي على سبيل المثال يختلف من مرحلة إلى مرحلة. فقبل الإسلام كان مفهوم المقاومة محدداً بصراعات قبلية على معطيات مرحلية متغيرة واتسع مفهوم المقاومة عندما ضعفت الدولة العربية الإسلامية وراحت تتعرض لاعتداءات الروم والفرنجة ثم الاستعمار الغربي الأروبي الذي أخذ أبشع صوره في احتلال فلسطين. ومن هنا فأدب المقاومة هو الأدب الذي يصف حالة التصدي للمعتدي الغازي وربما ظهر أدب المقاومة العربي بمعناه الأوسع فيما كتب أثناء الحملات الفرنجية على بلاد الشام، هذا على الصعيد الموضوعي، ولأدب المقاومة أيضاً صعيد النموذجوهو المتمثل في نموذج بعينه أعطى مثالاً في الدفاع عن الحق والفكرة ضد العدوان والطغيان ، ومن هذا النموذج صورة الحسين بن علي في كربلاء. ومن هنا فلأدب المقاومة بمفهومه العام ضوابط إنسانية عامة تصب مجملها في الدفاع عن النفس ضد المعتدي على هذه الأخيرة وحقوقها، ومن هنا فما كتب في التصدي للجبروت الأمريكي في أمريكا اللاتينية وفيتنام واليوم في الوطن العربي هو أدب مقاومة بعض النظر عن الأدوات التي يستخدمها هذا الأدب ، وهي بطبيعة الحال أدوات تنبع من مكونات الأديب الثقافية في مجتمعه وثقافته، وفي العصر الحديث عالج أدب المقاومة في بداية القرن تصدي الشعوب العربية للاحتلال الأروبي في مختلف الأقطار العربية وفي النثف الثاني من القرن العشرين تركز أدب المقاومة حول قضية اغتصاب فلسطين وما نتج عنه من آثار جانبية كالعدوان الثلاثي على مصر وحروب اسرائيل ضد العرب والتي كان أبرزها حربها على لبنان والتي انتهت بصفحة سوداء في تاريخ الاحتلال الصهيوني مما أدى إلى اشتداد نبرة أدب المقاومة التي بدأت إرهاصاته في سياقها الموضوعي تتقوى إثر انتفاضة المساجد ثم بلغت تراكماتها النضوج في انتفاضة الأقصى وما صاحب ذلك من أعمال أدبية عربية وفلسطينية.وقد صدرت دراسات عديدة ومختارات في أدب المقاومة في مجالها العربي، فكان ديوان الوطن المحتل ليوسف الخطيب وأعمال غسان كنفاني ريادة للبدء في هذا العمل.ومنذ ذلك الحين تلاحقت دراسات كثيرة في الموضوع الأدبي المقاوم. ولكن خلاصة القول في أن هذا الأدب ما زال يعتمد على الجهود الشخصية في جمع كمه الكبير والتوثيق له وربما كانت البداية في هذا المجال على الصعيد الفلسطيني كتاب مصادر الأدب الفلسطيني الحديث الذي يحاول جمع شتات الأدب الفلسطيني والتوثيق له لتتبعه خطوات أخرى تباشر في دراسته دراسة منهجية في إطاره المفهومي ورسالته الإنسانية ويجمع بين دفتيه أعمالاً موثقة لألف وستمئة أديب فلسطيني .



تاريخ مقاوم


أما ما يعرفه العرب عن أدب المقاومة فيعود إلى ما قبل قضية فلسطين، ويرجعه البعض إلى قصيدة زهير بن أبي سلمى «اللامية» ومعلقته الشهيرة. في هذا المجال، يشير الناقد السيد نجم إلى أن القصيدة أحد النماذج التي تكشف عن الأدب الذي يشارك في هموم قبيلته أو أهله مع الحفاظ على القيم العليا.


تقع القصيدة في 63 بيتاً، من بينها أبيات يخاطب فيها الشاعر المترددين في نبذ الحرب بين قبيلتين من العرب «عبس» و{ذبيان»، وهي حرب طالت لسنوات. كذلك صوّر بعض القصائد في الأدب العربي معارك الصليبيين والمغول منذ القرن الخامس الهجري التي دامت حوالى أربعة قرون، فكانت قصائد الدعوة للجهاد والتغني بما يتحقق من انتصارات. ولا يخلو بعض الأعمال الأدبية من المراثي تعبيراً عن الحزن على الأبطال الذين فُقدوا على أرض المعركة.



أدب المقاومة الفلسطيني


تاريخ طويل بطول عمر الجهاد الفلسطيني وبطولاته ..هذا الأدب الذي أوجدته الظروف و أوجدته نيران الحروب الملتهبه هناك في أرض أولى القبلتين .. هو أدب المعارك والحروب ، أدب رثاء الشهداء و مواساة الجرحى !المتحدث عن أدب المقاومه الفلسطيني عليه أن يعرج على تاريخه ويعود إلى بدايته وينظر كيف وجد ..البعض يؤرخ هذا الأدب إلى عام 1948 خلال الحروب الضارية بين العرب وإسرائيل إلا أنه أقدم من ذلك بكثير! ولد هذا الأدب من رحم الثورة حيث بدأ منذ قيام الثورة البريطانيه عندما قامت" ثورة البراق" عام1929 م وماتلاها من أحداث عظام في الـ30 م "يوم الإعدام " في سجن عكا المعروف بالقلعه عندما غادر فلسطين الشهداء الثلاثه الذين زفتهم إلى جنان الخلد (فؤاد حجازي ، محمد جمجوم ، عطا الزير ) وقد شيع الأدب المقاوم الفلسطيني قصيدة أبكت عيون الأمهات قصيدة "من سجن عكا" مطلعها :كانو ثلاث رجال يتسابقوا ع الموت أقدامهم عليت فوق رقبة الجلادوصاروا مثل ياخال ..وصاروا مثل ياخال ..طول وعرض لبلاد


حتى يصل القلم إلى دفع روح الجهاد في نفوس القراء :


من سجن عكا طلعت جنازه محمد جمجوم وفؤاد حجازي


جازي عليهم ياشعبي جازي المندوب السامي وربعه عموما



ومن هنا ..تفجرت ينابيع المقاومه و صار الجهاد الفلسطيني بالسيف والقلم .. ولا يمكننا أن نغفل عن أبرز أسماء هذا النوع من الأدب من أمثال إبراهيم طوقان الذي ألهب الجماهير في قصيدته "الثلاثاء الحمراء " وخرجت الجماهير في مظاهرة كبيره بعد إلقاءه قصيدته ليثبت أن الأدب قادر على الثوره..


ولا ننسى الشاعر المجاهد الذي شيع نفسه بعد إصابته قبيل استشهاده في معركة الشجره عام 1948م الشاعرعبدالرحيم محمودالذي قال في آخر أبيات له :


احملوني ...احملوني

واحذروا أن تتركوني

وخذوني لاتخافوا

وإذا مت ادفنوني



وما أعظم دوره الجهادي فهو صاحب القصائد التي ألهبت حماس الجماهير بل وأصبحت أناشيد في المدارس !طاردته قوات الاحتلال البريطاني مطاردة عنيفة أثبتت أنه صاحب قلم مكافح

..
وأشهر الأناشيد التي رددها الشعب كانت قصيدته "الشهيد" التي لم يسبقها في شهرتها العربية من قصائد الشعراء الفلسطينيين إلا قصيدة "موطني" لإبراهيم طوقان ، وهل ننسى هذه الحروف :


سأحمل روحي على راحتي‏

وأمضي بها في مهاوي الردى‏

فإما حياة تسر الصديق‏

وإما ممات يغيظ العدى‏



ثم تلت هذه الفترات الملتهبه فترة الستينيات والسبعينيات التي ازدحمت بالهزائم المستمرة وأوجدت جيل من الشعراء الشباب أمثال هاشم الرفاعي وعبدالرحمن بارود و كأنه تحدي الأدب للهزيمه وإصرار على أن الكفاح مستمر حتى لو غابت شمس الانتصارات ..
ثم فترة الثمانينات والتسعينات مرموزاً بجيل الإنتفاضة الأولى وبعدها إنتفاضة الأقصى حيث برزت مجموعة من الشعراء الذين اتخذوا من الأدب المقاوم منهجاً يسيرون عليه ، يميز هذا العصر أن الشعراء فيه من داخل فلسطين وخارجها في الشتات مما جعل فيه خليط فريد من الشعر الراقي

.

ولا ننسى ذكر الشاعر محمود درويش الذي اعتبر أحد شعراء المقاومه له أبيات عنيده يعرفها قاريء هذا الأدب



يحكون في بلادنا

يحكون في شجن

عن صاحبي الذي مضى

وعاد في كفنْ!!



ولكنه في نهاية طريقه الأدبي سلك منهجاً مغايراً لماضيه وانتقل بقفزة معاكسه من شعر المقاومه إلى الشعر الذاتي ! كفن شعره وختم تاريخه مع المقاومه بقصيدة وضح فيها للجماهير أنه يودع أدب المقاومه وهي "أنت منذ الآن غيرك"وكان كذلك !!

فلقد تبدلت وجهته الأدبيه في وقت كانت الساحة الفلسطينيه في أشد الحاجة لأدب يلهبها من جديد !


ولكن من جهة أخرى برزت أسماء مميزه كان يجب أن يلمع نجمها هؤلاء الشعراء كرسوا أقلامهم للوطن والدفاع عنه و خير من يدافع ويكتب بقوة وحماسه هو من يعيش هذه المشاهد و يتواجد في قلب المعارك و نذكر هنا الدكتور المجاهد الشهيد إبراهيم المقادمه الملقب بفيلسوف الشهداءومن أبياته :


بلال يابلال

الخير علمني

دروساً في تحدي البطش

أحفظها ولا أغفل

وأرفع هامتي للشمس أستعلي

ومن ظلم الزنازين

سأخرج في يدي المشعل

لأرشد امتي العزلاء

أصنع للفدا الآني

بطولات ومستقبل



ويرافق هذا الشاعر المجاهد رحمه الله التميز الشيخ الرنتيسي الذي حرك صفوف المجاهدين بحروفه واستطاع أن يناضل بروحه وبحرفه فكان علماً لكل أبطال فلسطين و قدوة فذه ترسم للمجاهدين خريطة العوده بالدم و الحبر !


هذا الأدب الجميل الذي رسم التاريخ الجهادي في فلسطين الحبيبة سيبقى منقوشاً بالدم و زخات الرصاص لأنه حفر بالنضال والكفاح ..!والمحزن أن هذا الأدب غاب عن وسائل الإعلام خصوصاً بعد أوسلو حيث بدأت الأقلام تتوجه إلى السلام و وقف الحروب متناسية أن ما أخذ بالقوة لا يرد إلا بالقوة وعلى الأدب أن يكون كذلك ..رغم التغييب الإعلامي إلا أن الأدب المقاوم بقي حاضراً وبقوة في الميدان وفي الإنترنت وفي قلوب الجماهير الصامده ..!




نماذج من الأدب المقاومة


شعراء المقاومة:


إن شعراء المقاومة هم : محمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد وفدوى توقان وابراهيم طوقان وسالم جبران وراشد حسين ونايف سليم وآخرين.


محمود درويش:


ولد محمود درويش في قرية "البروة" قرب عكا عام 1941. وهدم الاسرائيليون قريته عام 1949.وانضم محمود درويش الى الحزب الشيوعي في اسرائيل ، وبعد انهائه تعليمه الثانوي ، كانت حياته عبارة عن كتابة للشعر والمقالات في الجرائد مثل "الاتحاد" والمجلات مثل "الجديد" التي اصبح فيما بعد مشرفا على تحريرها ، وكلاهما تابعتان للحزب الشيوعي ، كما اشترك في تحرير جريدة الفجر .


شعره: يُعد محمود درويش شاعر المقاومة الفلسطينة ، ومر شعره بعدة مراحل .



بعض مؤلفاته:


عصافير بلا اجنحة (شعر)


اوراق الزيتون (شعر)


عاشق من فلسطين(شعر)


آخر الليل (شعر)


مطر ناعم في خريف بعيد (شعر)


يوميات الحزن العادي(خواطر وقصص)


يوميات جرح فلسطيني (شعر)


حبيبتي تنهض من نومها(شعر)


نموذج من شعره



الصوت في شفتيك لا يطرب

والنار في رئيتك لا تغلب

وابو أبيك على حذاء مهاجر يصلب

وشفاهها تعطى سواك، ونهدها يحلب

فعلام لا تغضب(1).



سميح القاسم


يُعد سميح القاسم شاعر المقاومة الفلسطينة، ولد عام 1939 في مدينة الزرقاء في الضفة الشرقية من الاردن، حيث كان والده يعمل ضابطا في الجيش هناك، وعادت عائلته الى الرامة (الجليل) وهو طفل، وتلقى هناك دراسته الابتدائية، وأكمل دراسته الثانوية بعد النكبة في الناصرة عمل في التعليم، ثم فصل بعد صدرور ديوانه الثاني "وأغاني الدروب" الذي حذفت الرقابة قصائد عديدة منه سجن مرتين (1961، 1968) وفرضت عليه الاقامة الجبرية في حيفا بعد خروجه من السجن.



نموذج من شعره:


إلى جميع الرجال الانيقين في الامم المتحدة

أيها السادة من كل مكان

ربطات العنق في عز الظهيرة

والنقاشات المثيرة

ما الذي تجديه في هذا الزمان؟

ايها السادة من كل مكان




نبت الطحلب في قلبي

وغطي كل جدران الزجاج

واللقاءات الكثيرة

والخطابات الغزيرة

والجواسيس، وأقوال البغايا، واللجاج

ما الذي تجديه في هذا الزمان؟ (1).



وفي الأدب المقاوم مسرحيات كثيرة وفيها قضية فلسطين مثلا مسرحية "بيت الجنون" لتوفيق فياض علامة بارزة في أدب المقاومة في فلسطين المحتلة فهي شكلا ومضمونا، أكثر من صرخة شجاعة، إنها تفسير وموقف ونبوءة.



أدب المقاومة في الأردوية:


يُعد علامة إقبال، أمجد إسلام أمجد،فيض أحمد فيض، جوش مليح آبادي، أحمد نديم قاسمي شاعر المقاومة.



إن العلامة محمد إقبال نظرا عميقا في حوادث ووقائع عهده وقرنه التي أحدث في بلاد العرب، وإن مستقبل فلسطين المظلم و جنون قومية العرب و البعد عن الإســـــلام كان له

سبب

الحزن والألم كما كان هذا الأمر موضوعا لشعره




(1) . انظر: الموسوعة الفلسطينية، ج1، ص 117-129.

(1) ـ انظر بعض تفاصيل هذه المؤامرات التأريخية ضد القدس ابتداءً بالاستعمار البريطاني، وانتهاءً بقيام دولة يهود المحتلة حتى الآن " الموسوعة العربية العالمية " ( 17/436-440 )،وغيرها من الكتب التي اعتنت بهذا الشأن .

(2) انظر: صالح أبو يصير، جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن (بيروت: دار الفتح، 1970، ص 33.

(1) الادب الفلسطيني المقاوم ، غسان كنفاني، ص 97.

(1) . الادب الفلسطيني المقاوم ، غسان كنفاني، ص 125.